في الفعلِ الكتابي الأيروتيكي
تقدمةٌ لم تُنشر، ولابدَّ من نشرها
لأنهم غارقون . غارقون كما تقول صديقتي العزيزة

آه ، كم يكلفنا أن نكتب
ليسَ حسناً أخذُ الكتابةِ الأيروتيكيةِ على عَوَاهِلِها ، والكتابةُ عنِ الجنسِ لأجلِ الجنس ، وليسَ جميلاً استهلاكُ الحسِّ بهذه الطريقةِ المبتذلةِ في وصفِ الممارساتِ الجنسية ، والحالاتِ العشقيةِ الحميمةِ بينَ الذكرِ والأنثى ، وخدشُ الذوقِ الفنيِّ الرفيعِ للكتابةِ بهذه الخيالاتِ السقيمةِ لمراهقينَ لم يتعدَّ أحدهم طورَ التفكيرِ بأبعدَ مما بينَ فخذيهِ أو فخذيها
وليسَ حسناً ما يجري من سكوتي على هذا الأمرِ ، معَ متابعتي للنادي مؤخراً ، واطلاعي على الكثيرِ مما يأتيني عبرَ البريد ، فقد حظيتُ باشتراكٍ فيما يبدو بعدَ أن ألغيتُ اشتراكي الأول ، من غيرِ أن أكتبَ كلمةً واحدةً ، فمنذ زرتُ هذا النادي ، وسجلتُ عنوانَ بريدي الإلكتروني ، وهذهِ الكتاباتُ والنصوصُ الإباحيةُ تتوالى على بريدي من غيرِ هوادة
.أظنُّ أن هذه لعنتي الخاصة
أقولُ هذا بدايةً حتى لا يُظنَّ أنني متحاملٌ على فكرةِ النادي ، أو متخلفٌ ينتقدُ الحرية ، بل أنا هنا الآن ناقدٌ بعينٍ إيجابية ، وحريصٌ كلَّ الحرصِ على استغلالِ الجهودِ المبذولةِ في صنعِ واقعٍ أفضل لفن الأدب الحر على الشبكة ، وفي خارجها أيضاً . سواءٌ في ذلكَ جهودُ القائمينَ على هذا الموقعِ ، أم جهودُ المشاركينَ بأقلامهم ، وقصصهم المثيرة
وكذلك فأنا أرجو – ابتداءً – أن يطلعَ على كتابي هذا مديرُ النادي أو الموقع ، والمشرفين أياً كانوا ، ولتكن ردةُ الفعلِ بالتجاوبِ والتفاعلِ عبرَ المراسلةِ وتبادلِ الآراءِ ووجهات النظر ، ثمَّ لتكن قناعةٌ بأن مثلَ هذه الجهودُ الكبيرة ، لابدَّ أن تُنتِجَ واقعاً أفضلَ من هذا الواقعِ البليدِ لفنٍ من الفنونِ الجميلةِ ، وهوَ فنُّ العزفِ بالكلمات على أوتارِ الجسدِ ، فنُّ استثارةِ الشهوةِ حتى النبضةِ القاتلة ، وتأجيجُ النيرانِ حتى أقصى حالاتِ اللهيب ، ومعَ ذلكَ تعليمُ العقلِ كيفَ يتمتعُ جنسياً ، وتوجيهُ الغريزةِ الذكريةِ إلى تقديسِ الأنثى ، وتوجيهُ الغريزةِ الأنثويةِ إلى تقديسِ الذكر . كلُّ هذا لن يكونَ إلا بالتفهمِ والتفاعلِ معَ ما سأقولهُ وأطرحه هنا ..وما أنوي أن أطرحه من دروسٍ لغويةٍ أيروتيكية ، تُعلِّمُ الراغبَ أصولَ الكتابةِ عن الجسد ، وأصول الكتابةِ عن المعاشرة ، بلغةٍ سليمةٍ فصيحة ، وأسلوبٍ جذابٍ يحملُ في طياتهِ غوايةَ الكلمةِ ، وفتنةَ القصيدة
في الحقيقةِ ، كانت الفكرةُ الرئيسيةُ التي طالما جَالَتْ بخاطري وأنا أتصفحُ هنا ، فكرةُ امتهانِ الكتابةِ عن الجسدِ على حسابِ الأدبِ وتحتَ شِعارِه ، وكنتُ كثيراً أتعجبُ ؛ كيفَ أن الجنسَ أصبحَ بهذهِ الرداءةِ ، يكتبهُ مراهقونَ ، أو شاذونَ ، لا يفهمونَ الجسدَ على أنهُ مشروعُ إبداع ، ووسيلةُ إشباع ، بل يُحَوِّلُونَهُ في سوقِ شهواتهم إلى مادةٍ للاستهلاك . وهذا أقبحُ ما يمكنُ أن يَطالَ مفهومَ الجنس . أن يتحولَ إلى غريزةٍ حيوانية في حينِ أن في وسعنا استعمالَ ما وهبنا اللهُ من عقلٍ لنرقى قليلاً على الحيوانات في التعاطي معَ هذا الشئِ الجميل الماتع ، الذي يسمى : الجنس
قضيةُ استهلاكِ الجسدِ كمادةٍ في النصوص التي تُطرح هنا ، قضيةٌ معقدةٌ وكبيرة . إذا شئنا أن نتحرى الدقةَ في مناقشتها فسنناقشُ مشكلةَ جيلٍ بأكملهِ يعاني من الكبتِ الجنسي ، والاحتقان في أوردتهِ الداخلية ، سواء من كثرةِ ما تَهِيجُ شهوتُهُ ولا تنطفئ باجتماعٍ طبيعي ، أو من كثرةِ ما يمارسُ العادةَ السرية ، فيقومُ عالمه الجنسي كله على أساسِ التخيلِ لأعضاءِ المتعةِ ، ويمارسُ عادته في الحلم باستهلاكها وامتهانها أحياناً . ولا أُحَمِّلُ الأعضاء في هذا النادي ذنبَ هذه المشكلة الناتجة ، بقدرِ ما أُحمِّلُ المشرفينَ الذَّنب ، وأضعُ عليهم جُلَّ اللومِ ، ففتحُ بابِ الحريةِ للكتابةِ لا يمكنُ أن يخلو من التوجيهِ ، أو التلميحِ نحوَ الوجهةِ الصحيحةِ في تناولِ الأدبِ الإباحي
فليسامحني المشرفونَ ، وأولياءُ أمرِ الموقعِ .. إذ سأقسو عليهم قليلاً ، وفي هذا مصلحةٌ للجميعِ ، وأهمُّ من ذلكَ ، مصلحةٌ للكتابةِ الأيروتيكيةِ التي نعشقها جميعاً .
إن حريةَ الكتابةِ لا تعني قبولَ كلِّ شئ ، وقد أساءتِ الحريةُ هنا للكتابةِ بأكثرَ مما أفادتها . فنتاجُ ما يوجدُ في أرشيفِ نادي ( الأدب ) الإباحي ، هو جمعٌ من النصوصِ الفقيرةِ لغوياً وإنشائياً ، المتشابهةِ ظاهرياً في المعنى والجوهرِ والغاية ، والتي لا تناقشُ أيَّ قضيةٍ من أي نوع ، ولا يمكنُ ذوقياً إطلاقَ اسمِ ( الأدبِ ) عليها . فهي كلها عبارةٌ عن فتاةٍ اسمها سارة مارستِ الجنسَ مع أحمد ، وعفافُ نالتِ المتعةَ من وليد .. وآخر ضاجعَ الخادمةَ في المطبخ .. إلى آخرِ ذلكَ من هذه القصصِ التي تدورُ في فلكٍ واحد
وقد يتساءلِ المشرفونَ أو الأعضاءُ على حدٍ سواء ؛ كيفَ ساهمَ التكرارُ والإعادةُ للفكرةِ في غالبيةِ النصوص في خلقِ هذا العجز الأدبي ، مع أن الكثافة الكتابية موجودة .فأقولُ : نعم .. هناكَ من يكتبُ .. ولكن ليسَ كلُّ ما يُكتَبُ أدباً . والذي أدَّى إلى انتشارِ مثلَ هذا العجز الأدبي في نادٍ يحملُ شعارَ الأدبِ الأيرويتكي ، أرقى أنواعِ الأدبِ لتعلِّقهِ بالوصفِ الحسي ، هو السماحُ لكلِّ من هبَّ ودبَّ في نشرِ ما يتمخضُ عنه خياله الشهواني ، إلى درجةِ استجداءِ النصوصِ أياً كانت ، من غيرِ أي نوعٍ من التعديلِ أو التوجيهِ نحو أسلوبٍ ومنهجٍ إبداعي ، فعلى الأقل كان يجبُ مراعاة الحد الأدنى من الإبداع أو السلامةِ اللغويةِ والإنشائيةِ في كلِّ ما يُنشر ، مما يحدو ويُشجعُ كلَّ من يكتب أن يكونَ على قدرِ النتاج الأدبي الموجود ، لم يكن هناك القدوة الأدبية في الكتابةِ ، أو الأصلُ الذي يرجعُ إليهِ الأعضاء ، لم يكن هناك تشجيعٌ على الإبداع ، ولا تحديدٌ لظاهرةِ الكتابةِ عن أيِّ شئٍ بأيَّةِ طريقة ، لم يفكر أحدٌ في يومٍ من الأيام وضعَ نصوصٍ أيروتيكةٍ لكتابٍ كبار ، أو قصائدَ لنزار وجون ميلر وأبي نواس ، كنموذجٍ لواقعِ الكتابةِ التي يصبو إليها النادي ، لم تصلني يوماً قصةٌ مكتوبةٌ بلغةٍ عربيةٍ سليمة ، أو أسلوبٍ أدبيٍ بالمعنى المعروف ، إن من يطالعُ قصص الأيروتيكا الفرنسية والأجنبية عموماً سيدركُ ما أعنيهِ بوجوبِ خلقِ واقعٍ أدبيٍ راقي لمحبي الكتابةِ الأيروتيكية ، وهواةِ الجنسِ المكتوب ، ففيما يبدو أن فتحَ البابِ على مصراعيهِ سَبَّبَ واقعاً كتابياً جارحاً للذوقِ وللفن الأدبي والفكري في هذا المجال . ومؤخراً كانَ المساسُ بالدينِ أو الجرأةُ عليه مِن قبلِ المدعوةِ : نادية ، وخصوصاً في عنوانٍ قرأته عن التبشيرِ بنبيٍ للجنس، وهذا كله على جميعِ علاتهِ تلك ، لا يخلو من حسنة أو حسنتينِ ، فيكفي أنه متنفسٌ للشبابِ العربيِّ الجائعِ إلى الانطلاقِ الحر ، والتعبيرِ بكلّ جرأةٍ عن رغباتِ جسدهِ ، وهواجسهِ الداخلية .. دون الالتفاتِ إلى مجتمعٍ منافقٍ ، أو تقاليدَ بالية ، أو تحفظاتٍ من أي نوع
ومعَ هذا ، كان ينبغي أن يكون هناك نوع من التوجيه الواعي لهذه الجموع الهادرة ، والمشوقةِ إلى الحريةِ الجنسيةِ حدَّ الانفجار الذي قرأته في بعضِ النصوص . وذلكَ حتى نخلقَ واقعاً جنسياً متكافئاً معَ المنظومةِ العامةِ لفنونِ الحياةِ الأخرى ، فإذا جاءَ الأوانُ خرجنا بالواقعِ الجنسي ، وبالمفهومِ الجديدِ للجسدِ ، ضمنَ منهجٍ يجعلُ الجسدَ ركيزةً أساسيةً لا ينبغي تجاهله ، أو التحفظَ على حقوقهِ ومتطلباته
فإذا سألنا : هل سيقبلُ المجتمعُ ، والفنُّ ، والأدبُ ، والذوقُ العام ، منهجاً حراً في معالجةِ مفهومِ الجسدِ والجنسِ بهذه الطريقة ، هل ستكونُ هذه النصوص ، وهذا العالم من الشبابِ المنفتحينَ ، الذين يلبونَ أصواتَ أجسادهم ونداءتها ، هل سيفلحونَ أم يتجرأونَ على الخروجِ للعالمِ ( خارج الشبكة ) بهذه التجربة ؟ كما هيَ عليهِ الآن من ابتذالٍ وانتهاكٍ للكتابةِ عن الجنس ؟
أشكُّ في مصداقيةِ الإجابةِ بنعم
:ولكن ربما أمكننا مناقشةُ الأمرِ من عدةِ جوانب ، وبثلاثةِ أفكارٍ لا غير
:الفكرةُ الأولى
هنا يتحولُ الجسدُ إلى مادةٍ بمعنى أن المتعةَ تصبحُ هماً وحيداً ، وهذه الرغبةُ هي امتدادٌ للرغبةِ البدائيةِ الوحشيةِ عند الحيوان ، إن لم نقل أنها هي ذاتُها الرغبةُ الحيوانيةُ التي تمارِسُ بها الحيواناتُ الجنسَ في موسمِ التزاوجِ وكفى . من غيرِ إبداع ، ومن غيرِ فن ( من يظن أن الفن الجنسي هو فن الممارسة بذاتها في أوضاعٍ معينة فهو مخطئ ، لأن أوضاعَ الممارسةِ يدركها الإنسانُ بالفطرةِ معَ شئٍ من التعلُّم والمعرفة ) . إن الإبداع في الجنس يقتضي فهم المغزى البعيد لمسألة التواصل الجنسي ، فالإنسانُ يتواصلُ جنسياً لأنه جُبلَ على الميل نحوَ الأنثى ، وجُبلت هيَ على الميلِ نحوه ، إن البوصلة الغريزية في الإنسانِ لها اتجاهٌ واحد بالنسبةِ للذكرِ والأنثى ، الارتحالُ نحوَ الآخر ، لكنَّ حكمةَ الخالقِ لم تدعه هكذا من غيرِ عقل ، بل أودعت في الإنسانِ عقلاً ليدرك به معنى التواصلِ وجهةَ الارتحالِ وأسبابَهُ ، وحكمَتَهُ ، وطريقةَ عَمَلِهِ وأدائِهِ الْمُثلى
ولننظر إلى ما يُطرح هنا في هذا النادي ، إنه لا يعدو وصفاً شهوانياً لحالاتٍ وأوضاعٍ جنسية ساخنة ، تفتَّقَ عنها ذهنُ مراهقٍ حالم ، أو مراهقةٍ شهوانية ، في قصةٍ حقيقةٍ – ربما – مشوبةٍ بمبالغاتٍ وخيالاتٍٍ كثيرة ، وسذاجاتٍ كثيرة ، وأحياناً تكون قصةً خياليةً لا حقيقةَ لها إلا في خيالِ كاتبها وأوهامه
ولنتناولِ اللغة : ركيكةٌ في أغلبِ الأحيان – ولا غرابة ، لأنه لا فكرَ ولا منهجَ يكتبُ على أساسهِ من يكتب – مبتذلةٌ مُكَرَّرة ، بليدةٌ لا إبداعَ فيها ، ومنطفئةُ الأسلوب.. لا تُحَفِّزُ الإنسانَ إلى قراءتها فضلاً عن التأثرِ بها . وقد أصبحَ الأمرُ مؤخراً كأسوءِ ما يكون ، فلم يعد في جعبةِ من يكتبونَ المزيد ، نفسُ الأوصاف ، ونفسُ التصويرات ، ونفسُ الفكرةِ التي أشبعوها امتهاناً وابتذالاً .. فكرة الممارسة الجنسية ، دونَ الالتفات إلى أي شئ آخر ، وهكذا أصبحَ الجنسُ بلا طعمٍ ولا رائحةٍ ولا إبداع ، وأصبحَ الشعارُ الذي من الممكنِ أن يتصفَ به نادي الأدب الإباحي : الجنسُ من أجلِ الجنس . تماماً كما : المادةُ من أجلِ المادة . شعارٌ لا معنى له ، ولا فكرَ وراءه
ولنلتفت إلى الهدف : لا هدفَ معلنٌ غير المتعة ، - وهنا نرجعُ إلى الحسرةِ والأسفِ بكونِ الجسدِ مادةً للاستهلاكِ فقط ، حتى ليس بطريقةٍ صحيحة ، بل لاستهلاكهِ في نصوص ، زعموا فقالوا أدبية – وهذه الطريقةُ لنيلِ المتعةِ لاتصلحُ هدفاً هنا ، إذ ينتفي التواصلُ الجسدي بين مشتركي ومشتركات النادي ، وحصولُ المتعةِ من القراءةِ فقط أمرٌ غيرُ جيد ، ويربي في الإنسانِ نوعاً من أنواعِ الشذوذ الجنسي
إن الأمر الوحيد المقبول في هذه الحالة ، هو أن تكون النصوصُ الإباحية تسعى إلى نشرِ الوعي الجنسي الإباحي - قبلَ أن تهدفَ إلى المتعة - وتغييرِ العالمِ العربي المريض جنسياً ، فكيفَ تتكفلُ الكتابةُ بهكذا مهمة ، وتتصدى لمعالجةِ الواقعِ المريضِ في حينِ أنها هيَ بذاتها واقعٌ مريض
:الفكرةُ الثانية
الجوعُ للأكلِ غريزةٌ طبيعية ، وهكذا الأمرُ في الجنس .. إنه نداءٌ غريزي .. وفي وسعِ الإنسانِ أن يتناوله بطريقةٍ أكثر إبداعاً مما يحدثُ هنا
إن أحداً لا يفضِّلُ – في نظري وفي ذوقي – أن يَغَصًّ بالطعامِ والشرابِ الردئ ، ذي الطعمِ الفاسدِ ، زاعماً أنه يُشبعُ غريزة الجوع ، ويلبي نداءَ بطنه . وبرغمِ أن هذا تماماً ما يحدثُ هنا ، وأن هذا المنطق هو الذي يحكمُ كلَّ ما يدور ، إلا أن لغريزةِ الجنسِ أيضاً أبعادٌ أخرى تتعدى مفهوم إشباع الغريزة الإنسانية
.الحيوان يأكلُ ، والإنسانُ يأكلُ . ولكن شتانَ بينَ ما يحدثُ معَ الإنسان ، وما يحدثُ مع الحيوان
الإنسانُ يأكلُ سداً لجوعهِ ولكن وفقَ متطلباتٍ حضاريةٍ عقليةٍ ، استلزمَ وجودها عقلُ الإنسانِ ومرتبتهُ الكونية ، وفضلهُ على الحيوان .. إلى غيرِ ذلك من الأمور الكثيرة والمعلومة في هذا الشأن
فكذلك الجنسُ .. ينبغي للإنسانِ أن يُراعي فيهِ مرتبته الحضارية ، وما وصلَ إليهِ من فنِّ احترامِ الجسدِ ، والإبداعِ في إمتاعه
الفكرةُ الثالثة : ما العمل ؟ وما النهاية ؟
هل السعيُ إلى التطويرِ والتحسين في اللغةِ والأدبِ لا غير ، أم السعيُّ إلى معالجةِ الفكرِ الجنسي قبل ذلك ، أم دمجُ الهدفينِ في مسعىً واحد ، وبتوازي الهدفينِ ، يتضحُ مقدارُ التغيُّرِ والتبدل ؟
أظنّ أن الخيار الثاني هو المتاح حالياً ، وإن كنتُ قد مَرَرتُ على عجالةٍ – فيما أوردتُ وقلتُ - بشئٍ من النقدِ الجارحِ للفكرِ العربي الجنسي ( ولا أعتذرُ عن هكذا قسوة ، فهي ضروريةٌ أحياناً ) ، إلا أنني أفضلُ تضمينَ ما أريدُ تمريره إلى عقلِ القارئِ من فكرٍ ونقدٍ عن الجسد في نصوصٍ أيروتيكية من التراث العربي ، أقومُ بشرحها شرحاً مفصلاً يهتمُّ بالمعنى الفكري ، والمبنى اللغوي ، وبها سيستقيمُ لنا الأمرانِ حتى يمارسَ أحدنا الكتابةَ الأيروتيكية بلغةٍ سليمة ، وكذلك بمنهجيةٍ فكريةٍ عميقةِ الدلالةِ لا سطحية الرغبة ، والوعي العقلي الراقي لمسألة الجسد والجنس والشهوة وغير ذلك من مصطلحاتِ الفتنةِ الإنسانية
_____________
تعليقات
:)
"فنتاجُ ما يوجدُ في أرشيفِ نادي ( الأدب ) الإباحي ، هو جمعٌ من النصوصِ الفقيرةِ لغوياً وإنشائياً ، المتشابهةِ ظاهرياً في المعنى والجوهرِ والغاية ، والتي لا تناقشُ أيَّ قضيةٍ من أي نوع ، ولا يمكنُ ذوقياً إطلاقَ اسمِ ( الأدبِ ) عليه"
هذا أيضا اعتراضي عليها جميعا. لكت أملي هو أن يبدأ الجيد في الظهور بعد أن تمر موجة الانفتاح و الانبهار الأولي بالحرية المكتسبة حديثا.
"ومؤخراً كانَ المساسُ بالدينِ أو الجرأةُ عليه مِن قبلِ المدعوةِ : نادية ، وخصوصاً في عنوانٍ قرأته عن التبشيرِ بنبيٍ للجنس ."
هذا موضوع ثانوي، و لا تنس أن ما تتناوله أنت بالنقد و التحليل الموضوعي قد يكون مرفوضا برمته عند آخرين.
بالإضافة إلى أن وجود نبي يدعو لقيم معينة، بغض النظر عن نوعيتها، لا يشكل في رأيي تعديا على فكرة الدين في حد ذاتها.
كان الجنس عنصرا أساسيا في المكونات العقيدية و الطقوسية للديانات القديمة.
أما بخصوص المساس بالدين عن طريق التبشير بنبي للجنس ، فأنا لم أعترض أبداً على أن الجنس كانَ ضمنَ اعتقاداتٍ وعقائدَ دينيةٍ في بعض الحضاراتِ أو الأديان ، بل إنني خيرُ من يخبركَ عن هذا ،وأؤكدُ لكَ أن الجنسَ مقدس أيضاً في الدين الإسلامي ، وهوَ سلوك رفيع له آدابه وضوابطه في التشريع الديني ، إلا أن الترفع الأدبي في القرآن مثلاً قد استبدلَ جميع الكلمات والمعاني الجنسية إلى دلالات وإشارات تؤدي المعنى على أكمل وجه ؛ لكنها لا تظهره . أظنه ما يُسمى بالتورية . وعندما اعترضت على التبشير بنبيٍ للجنس ، فإن اعتراضي كان في سياقِ الحديث على أمرٍ تجدرُ الإشارةُ إليه، حيث أن حديث نادية كان في سياقٍ متلبسٍ بواقعٍ ما ، يتيحُ للقارئِ سوءَ الظن كمنطلقٍ أولي
وعلى أيةِ حال ، فأنا لست ضد التبشير بني للجنس / فأنا - ومن وحي مقالي هذا - أكثر من يؤمنُ أن القيمَ الجنسية الإنسانية هي بحاجةٍ ماسةٍ إلى نبيٍ يُبشرُ بها في هذا العصر ، ويدعو إليها ، بعد أن انتشرَ الشذوذ ، والفهم المغلوط ، وبعد أن سيطرت ثقافة المتعة المجردة من المعنى . إلا أننا - أنا وأنتَ كمسلمين - نعرف جيداً أنه لن يكون هناك نبيُ يدعو إلى شئ كهذا . واعتراضي على العنوان حينها كان اعتراضاً على السياق والطريقة المبتذلة لا على الفكرة ، بينما أنا على استعدادٍ تامٍ أن أكون نبياً يُبشرُ بقيمٍ جنسية وطقوس رفيعة الأدب فيما يُشاعُ أنه قلة أدب .