تفاصيل حياتية

لم يسبق لي قطُّ أن ابتلعتُ انساناً ، لأنه لم يسبق لي أن كنتُ سمكةَ قرشٍ ولا كنتُ فرداً من أفرادِ قريشٍ ، ولم أكن حتى وقتٍ قريب أتناول طعامي براحةٍ تامةٍ في وجودِ أحدٍ لا تربطني به علاقة ، لذلك فلم أكن أفضلُ الأكلَ في المطاعمِ العامةِ ، أو في السيارةِ ولا حتى في الحدائق عندما يخرج الجميع للنزهة .
وعلى أساسِ هذه الخلفية البسيطة ، فإنكم ستقدرونَ أنني شخص مسالمٌ جداً ، هادئ جداً ، خجول جداً في التعاطي مع الآخرين الذين لا أعرفهم ، سلبي جداً في التجاوب مع الذين يكرهونني ، إنني أمقتهم بصدقٍ شديد تماماً كما أحب بصدقٍ شديد . ولكن ذلكَ لا يمنعُ احترامي لبعض أعدائي وكذلك بعض أصدقائي اللدودين . إلا أنني أعترفُ بجنوني وجنايتي أحياناً في التعامل مع أولئك الذين شاءَ الله أن يبتليهم ، و اقتضت حكمة السماء أن يتعرفوا بي ، أو تكون لهم علاقة أو مجرد حضور في محيطِ وجودي ، ويعيشوا بعضاً من لحظاتي الحميمة والسخيفة على حدٍ سواء . وأغلبُ هؤلاء من الذين أحبهم ويحبونني .
أحب أيضاً أن أخبركم بأنني واجهت عدةَ مشاكل سببها الرئيسي هو الانطواء وعدم الخبرة في التعاطي مع الآخرين ، وبخاصة العوام . فمثلاً أنا لا يُمكنني ردُّ الإساءةِ بمثلها لمن يتعرض لي ، أو يحاول الإساءةَ إلي ، على الرغمِ من أنني أغضب جداً ، وأشعرُ بطاقةٍ هائلةٍ تتكون في داخلي بمجرد أن أتعرض لوضعٍ لا يُعجبني . غير أن استخدام هذا الغضب وهذه الطاقة الهائجة في رد اعتباري أمرٌ لا أتقنه كثيراً .
أيضاً إنني من صنفِ أولئكَ الأشخاص الذين يمتلكونَ قدرة جيدةً على الإقناع ، والتحدث بالمنطق . إنني أحب هذا الأمر كثيراً . غيرَ أن ما فشلتُ فيهِ بجدارةٍ هو إقناعُ والدي بما أريد ، أو بما يتوافق مع مقتضيات المصلحة العامة للأسرة وللبيت . وكذلك الحال مع والدتي المتدينة جداً ، والتي لا تكاد تقبلُ بأمرٍ جديدٍ لم تقرأه في كتبِ الفقهِ والحديث. إن هذا الأمر يصيبني بحنقٍ شديد . فمع أنه ليسَ ذنبي ، إلا أن ثمةَ تداعيات لهذا الأمر تمتد إلى الخلاف حول كل التفاصيل المتعلقة بكل ما أفعله . إن تواجدكَ في محيطٍ يرصدُ تفاصيلَ حياتكَ كي يستخرجَ منها ما يصلح للوم والتوبيخ ، كرغبةٍ في إثباتِ وجهةِ نظرٍ تقول بأنكَ خاطئ في كل ما تفعله ، وكل ما تفكر به ؛ لهوَ أمر مضجر للغاية . في الواقع إنهم يعتبرون أن حياتي نفسها خطأ من الأخطاء التي ارتكبها والدي في لحظةِ نشوة . وللأسف لم يكن يدري أن لحظةَ نشوته هي ذاتها لحظة مجيئي من العدم . فمثلاً من التفاصيل اليومية التي قد يحملونها على غيرِ محملها ، ويعممونها على حياتي كلها ، شاملاً ذلك ما أقرؤه وأكتبه وأعتقده ؛ أنني من الزبائنِ الجيدين بالنسبةِ للبائعينَ والمستفيدينَ من مزاجي المعقد الذي لا يتحمل الفصال ، أو التدقيق في البضاعة ، وبناءً على هذا ، فإنني غالباً ما أكون سببَ ثورة والدي لمجرد أني اشتريت شيئاً لم يعجبه . وغالباً ما يصفني بالزبون " اللقطة " .
أيضاً فإن قصورَ خبرتي في مجالٍ معين ، كمجال إصلاح السيارات مثلاً والتعامل مع الورش وفحص عجلات السيارة وغير ذلك ، غالباً ما يُعدُّ طعناً في حياتي كلها لمجرد أني أخطأت في التصرف بشأن بعض أمور السيارة . أليسَ ذلكَ عجيباً في رأيكم ؟
إنني أسوقُ هذه الأمثلة لأدللَ لنفسي أولاً على أنني فاشلٌ في الحياةِ العامة ، وربما لا يعنيني أن أحكي لكم ، بقدر ما أرغبُ أن أجعلكم شهوداً على فشلي ، أريدكم أن تساعدوني وتكونوا نِعمَ الشهود ، وتكونوا لي خيرَ المؤيدينَ في كل ما أقوله . ليس لأنني كذلكَ فعلاً ، ولكن كي أقتنعَ أخيراً بأنني لا أصلح للشراء ، أو التعامل مع المواقف الحياتية المختلفة . إنني أريد أن أثبتَ أن والدي على حق في كل ما يقوله عني . أريد أخيراً أن أصدقَ ذلك ، لأني تعبتُ من تحملِ كل ما يصفونني به . تعبتُ من الدفاعِ عن شرفِ وجودي ، ومثاليةَ تصرفاتي . أريد أن أصدقَ ذلكَ في نفسي كي لا يؤلمني بعدَ ذلك أن يصفني أحدٌ بالفشلِ في أي أمرٍ آخر .
أرجو أن تصادقوا على فشلي ، وأن تتعظوا جيداً ولا تكونوا مثلي .
وفي مقابلِ ذلكَ كله ، فإنني أنوي ألا أسكتَ عمن يرغب بتمريرِ النصائحِ في ثنايا اتهامه لي بالفشل . أعدكم أني سأكون ناراً حارقة على كل من يحاول أن يتذاكى على حسابِ رهافةِ حسي ، وتعقيد مزاجي . سأكون سيفاً أزرقاً من اللهب مسلولاً على كل من يحتقر الجمال الذي أؤمن به وأحاول أن أعيشه في كل لحظاتي .
تعليقات
وهو اللي بيتصرف بمثالية ده بيعتبر انسان عايش مثلا
..........