استشارة عاطفية

صديقي العزيز ، أكتبُ إليكَ بشأنِ ما استشرتني فيه ، ولا أطلبُ منكَ أن تتبعَ كلامي ككتابٍ مقدس ، فأنتَ أدرى بأحوالك .

أولاً : أنتَ مجرم ولا تريد أن تتوب ، يا لقلبكَ يا رجل ، أما زالَ فيه متسعٌ لحبٍ من هذا النوعِ الفادح جداً ، والمكلفِ جداً ، والمؤلمِ جداً ؟!

ثانياً : اسمع يا أخا الصبا ، سأحابيك وأجاملكَ وأتواصلُ معكَ ، ليسَ لأنني لا زلت أؤمنُ بالحب العذري الطاهر ، والغرامياتِ المواتيةِ لرعشاتِ الفؤاد ، ولكن فقط لتنالَ هذه الأنثى التي تظن أنها أعتى من الحب ، وأشدُّ وطأةً من أن تستسلمَ لسطوتهِ ، وتستكينَ لدفئه . ذلكَ الدفء الذي يتوهجُ حاراً في قلبكَ يا صديقي المجرم .

واعلم أني سأنصفها هي على حسابكَ أنت ، فأنتَ صديقي ، ويجب أن تتحملَ شيئاً من التعب والجهد والتشتت في سبيلِ نيلِ ما ترغب ، وثق أني سأشجعكَ على محاسبتها فيما بعد ، محاسبتها جمالياً وعاطفياً إذا أردت ، أو تحويلها لشاعرة إذا كانت تصلح لذلك .

فتاتُكَ هذهِ كما أتصورها من النوع الذي يعتقد أن منهجيةَ العقلِ لابد أن تطغي على جنونِ الحياة ، إنها لا تؤمنُ بالحديثِ الذي رواهُ أحدهم ، قال : حدثني رضيَ الإبداع عنه ، قال حدثني حكيمُ بن دهر ، قال روى القدرُ عن التاريخِ قوله : " فريسةٌ تحترفُ الهربَ إلى الحياة ، خيرٌ من نمرٍ عجوز " صححه أنا وحسَّنه أناي . وغالباً هذا النوع من النساء لا يمنحكَ متعةً كافيةً بالقدرِ الذي تريد ، إلا في حالةٍ واحدة ، أن تغتصبَ منها أنتَ المتعةَ التي لم تجربها هي ، وستسلمُ لكَ أو تكاد عندما تتذوق طعمَ النفور ، ويدق قلبها بنبضاتِ الحياةِ التي لن تتخلى عنها بمجرد تجربتها . ولا أقول لك هذا لتغتصبَ الفتاةَ ، أو تكون ثقيلاً في ملاحقتكَ لها ، وأنا مطمئنٌ لخجلكَ من هذه الناحية ، ولكن كُن راسخاً وصبوراً في إرادةِ نيلها .

ابدأ أولاً بسلسةٍ ثابتةٍ من المجاملات والعادات التي قد تلفتُ نظرَ أيةِ فتاةٍ عادية ، وليسَ هذه الفتاة . كُن مجاملاً ، أنيقاً ، متكلفاً في اهتمامكَ بأمورها العادية .

حاول أن تعرف كلَّ ما تهتم به من أمور عقليةٍ ، وأكاديميةٍ ، وهواياتٍ ترفيهيةٍ . اعرف ماذا تسمع ، وما الموسيقى التي تفضلها ، وما الألوان التي تُبهرها .

حاول أن تمارسَ بحثاً شاملاً ، واستطلاعاً دقيقاً ، لتعرفَ نقاطَ ضعفها ، ونقاطَ قوتها ، ومدى تأصل المنهجية والعقلاينة في حياتها أو العكس . ولا تكن جشعاً ، أي لا تأمل في قُبلةٍ منها في الوقتِ الذي لم تمنحكَ فيه ابتسامة الرضا . و كُن متغافلاً غيرَ مهتمٍ حتى لا تعذبَ نفسكَ وتمنيها بشئٍ قد لا تحصلُ عليه . وأيضاً كي تُظهرَ لها أنكَ أعتى من عواطفك وأقوى من أن تستسلمَ لخفقان قلبك . وتذكر ، ثلثُ الحكمةِ فطنةٌ ، وثلثيها تغافل .

حاول أيضاً أن تتحدث معها بشأنِ مثالية الرجل وماهية دوره بالنسبةِ للأنثى . فربما لا تفضلُ هيَ أن يكونَ حبيبها مغرماً ، أو عاشقاً متولها . ربما ستحبكَ – إن فعلت – بالطريقةِ العملية . ربما تفضلُ أن تكونَ ناجحاً على أن تكونَ شاعراً . وربما تفضلُ أن تكونَ فارساً عاشقاً . فليسَ جميعُ الصبايا يستطعن أن يكن ليلى ، وليس جميعُ الشبابِ بإمكانهم أن يكونوا قيس .

واختصاراً لكل هذا ، فأنتَ يجب عليكَ أن تعرفَ المدخلَ وتخطو منه خطوتكَ الأولى .

الحب يا صديقي حديقة

فاجتهد لتبلغَ الحقيقة

وأما ما ذكرتَ من عدمِ ردها على رسالتكَ الأخيرة ، فربما يكونُ ذلكَ أنها لم تجدَ شيئاً تقوله أمامَ إصراركَ العاطفي – ركز على وصف العاطفي – ربما تكون قد شعرتْ بأخطر ما يمكن أن تشعر به أنثى ، أنكَ تستجدي منها الحب بدعوى صدق عاطفتك . هيَ لا يهمها صدقُ عاطفتكَ أو زيفها لأنها لم تبدأ في حبكَ بعد . في هذه الحالة قد يخونكَ فهمها وعقلها لو كانت هيَ امرأة لا يمكنها التعامل مع طفولة رجل .

عموماً يا رجل ، أرجو أن تفهمَ جيداً طبيعةَ هذهِ الفتاة في حالةِ أردتَ نيلها ، ولا تقل لي أنك قد تنالها بالصدقِ العاطفي وحده . يجب مراعاة كونها ذات مزاجٍ جاد مثلاً ، وعقليةٍ عملية لا تعترف بحميمية العواطف ، ويجب أن تأخذَ في الاعتبار أنكَ قد تنالها ولكن بطريقتها هي ، وليسَ بطريقتك الأزلية في الحب بصدق شديد ، والتألم بصدقٍ أشد . نحنُ في عصر إعلان الفياجرا الذي يأتي على تشانل تو يا رجل .

أتعلم ، لقد أتعبتني معك . إنني أتألم لأجلك يا صديقي .

أتذكرُ يا صديقي أيامنا الأولى ، عندما كنا نلهو مستسلمينَ لمكايدةِ الزمان ، لسيرهِ بنا كقطارٍ قديمٍ ينساق بفخرٍ وشموخٍ وراءَ مرجله ، بكلِّ عنفوانيةِ الحلمِ وثراءهِ أمامَ فقرِ الواقع ، نحنُ في الحقيقةِ الذين أكسبنا الذكريات جوهراً خالداً لن يُمحى ، نحنُ الذينَ جنونهم لا يموت .

صديقي العزيز . كُن بخيرٍ دائماً ، وأوصيكَ بي يا رجل . لا تهملني إلى هذه الدرجة التي أوشكُ فيها أن ألعنَ حبي لك .ولا تقل لي أن رسائلي لا تصلك ، وكُفَّ قليلاً عن الوقوع في المآزق العاطفية ، لأنني لن أجدَ لكَ حلاً بعدَ الآن سوى أن آتي إليكَ لأحبَّ عنك .

تشاو ..

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

افتتاحُ الهاوية

الأدبُ فعل تمنع وتمتعٍ ومقاومة

الـحــزن